القيلولة … نومة منتصف النهار
يرى العلماء أن القيلولة تبدأ مع ولادة الطفل حتى سن الرابعة ، وتبقى بعد ذلك جزء من إيقاعنا البيولوجي , ويلجأ إلى القيلولة عادة للاستراحة وتجنب الحر أو للهضم بعد الأكل أو للراحة بعد النشاط الجسمي والذهني المكثف في الصباح أو للتعويض عن الحرمان من النوم ليلاً دون أن ننسى طبعاً دافع الكسل والخمول.
والقيلولة تختلف عن النوم بالليل , فإذا كان النوم يجدد وينشط ويحافظ على خلايا الجسم والدماغ ، فإن القيلولة تساهم في إراحة الدماغ والاسترخاء البدني والعضلي وتعزيز قدرة الإدراك والتلقي , وقد أكد العلماء أن فترات القيلولة القصيرة في منتصف النهار لمدة نصف ساعة تلغي تأثير التعب وتعيد الاستقرار والحيوية والنشاط للذهن والجسم , كما أكدت البحوث العلمية الحديثة أن أخذ غفوة قصيرة أثناء العمل يجدد الطاقات الفكرية والجسدية للعاملين ويزيد إنتاجيتهم وقدرتهم على تحمل ظروف العمل بصورة أفضل , كما تساهم القيلولة في التخلص من الجزع والقلق.
ومنذ عام 2000 أخذ باحثون في جامعة هارفارد في وضع عشرات التجارب التي أظهرت أن النوم يحسن التعلم والذاكرة والتفكير المبدع , وفي كثير من الحالات فإن هذا النوم كان يأتي في شكل إغفاءة النهار أي «القيلولة» , وعلى سبيل المثال فإن عددا من الدراسات أظهرت أن الأشخاص الذين طلب منهم تذكر شيء ما ثم تمتعوا بالقيلولة كانوا يتذكرون أكثر مما كانوا لو أنهم لم يتمتعوا بالقيلولة أو حتى «الإغفاءة السريعة» , وفي عام 2008 نشرت المجلة الطبية البريطانية دراسة قارن فيها الباحثون بين ثلاث حالات: زيادة ساعات النوم ، أو التمتع بالقيلولة ، أو تناول الكافيين , وظهر أن القيلولة كانت أكثر تلك الوسائل فاعلية.
وتقسم القيلولة بشكل عام إلى ثلاثة أنواع: القيلولة الملكية (التي تتعدى ثلاثين دقيقة) ، والمعتدلة (ما بين 5 و30 دقيقة) ، والسريعة (الغفوة القصيرة التي لا تتعدى خمس دقائق) , لكن أغلب الدراسات تؤكد أن المدة المناسبة للقيلولة هي من 15 إلى 20 دقيقة ، وأن التوقيت الأفضل لها هو ما بين الساعة الواحدة والساعة الثالثة بعد الزوال ، وهي الفترة التي ينخفض فيها النشاط الفكري والجسمي للإنسان.
القيلولة في مقرات العمل حق
يسمونها الصينيون “ووكسيو” أي استراحة الزوال ، وقد نص عليها الدستور الصيني كحق لجميع العمال في هذا القسط من الراحة ، وكذلك توصل خبراء وكالة الفضاء الأمريكية “ناسا” إلى أن السماح للعاملين بالنوم في مكاتبهم لفترة لا تزيد عن 45 دقيقة بعد الظهر يزيد من كفاءة عملهم بنسبة 35 في المائة , وقد خصصت بعض الشركات الأمريكية فعلا غرفا خاصة للقيلولة لاعتقادها بأن ذلك يمكن أن يؤثر في نشاط الفرد وإبداعه لبقية اليوم , وكانت شركة “آبل” السباقة في فرنسا سنة 1990 إلى تخصيص مرافق للقيلولة خاصة بالموظفين , فيما خصصت شركة «جوجل» مواقع للقيلولة لا يصلها الضوء والصوت , ومن أطرف ما تناقلت وكالات الأنباء العالمية مؤخراً خبر إعادة محاكمة أحد المتهمين في بريطانيا بسبب غفوة القاضي.
وعرفت القيلولة في العديد من الحضارات القديمة مارسها الصينيون منذ قرون , وكان الفراعنة يدعون بعضهم البعض للاستمتاع بالقيلولة , وفي المعتقدات اليونانية القديمة هي الوقت الذي يخصصه الإله “بان” للاستمناء , وفي الإسلام وردت آثار في الحث عليها , وعرف عن المسيح أنه كان يقيل كثيرا خلال أسفاره بالشرق الاوسط , وكما أن المقيل في اليمنارتبط بالقات والوقت الذي يقضيه الناس في تناوله , وفي المغرب كما هو سائد في البلدان المتوسطية يستمتع معظم سكانه بالقيلولة وتحث ثقافته الشعبية عليها ، ومن ذلك قول العامة: “تعشى وتمشى تغدى وتمدى”،
ومن الذين اشتهروا عبر التاريخ بمزاولة القيلولة نبليون بونابرت الذي عرف بإغفاءاته الكثيرة حتى خلال المجالس الوزارية ، كما اشتهر الفنان سالفادور دالي بقيلولة متميزة حيث كان يسترخي على الكرسي ممسكا بأصبعيه ملعقة ما أن يغفو حتى تسقط فيستيقظ , واشتهر ونستون تشرشل بنومه ساعتين بعد الظهر , ويكتفي الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك بأربع ساعات من النوم ليلا ويواظب على القيلولة بعد الظهر , كما اشتهر بالقيلولة إديسون وفيكتوريغو وغيرهم.
إغفاءة قصيرة في النهار.. نصائح وإرشادات:
– القيلولة في النهار لمدة 20 إلى 30 دقيقة قد تعتبر فترة مثالية , أما الإغفاءات لفترات طويلة فقد تؤدي إلى «خمول ما بعد النوم» الذي يصعب التخلص منه.
– خصص لنفسك مكانا مظلما هادئا وباردا فتقليل الضوء والصوت والبرودة يساعد الكثير من الناس على الإغفاء.
– خطط للقيلولة فلا تنتظر حتى حلول وقت القيلولة بل خطط لوقتها ومكانها خصوصا إن كنت تقود سيارتك.
– حدد وقّت مواعيد تناول الكافيين فالكافيين يحتاج إلى وقت قبل أن يحدث تأثيره , وقد أشارت دراسة يابانية نشرت قبل عدة سنوات إلى أن تناول السوائل الغنية بالكافيين ثم الخلود إلى إغفاءة بعد ذلك فورا هو أفضل توليفة لاكتساب الراحة لأن النوم يبدأ قبل أن يبدأ مفعول الكافيين !!! ونحن مترددون هنا في قبول هذه المنطلقات لأن مجرد ذكر الكافيين يرتبط لدينا فورا بطعم القهوة ورائحتها ، الأمر الذي يشعرنا بالصحوة , والمهم هو توقيت تناول الكافيين لكي لا يتضارب مع القيلولة.
– لا تشعر بالذنب فالقيلولة في وقتها المناسب تزيد من قدرات إنتاجك في العمل أو في المنزل.
0 التعليقات:
إرسال تعليق